“خمسة جنود روس واسطورة قندهار”

“خمسة جنود روس واسطورة قندهار”
كتب رئيس تحرير موقع “الثائر” اكرم كمال سريوي
أفغانستان بلاد الثروات والغزوات، والشعوب المتناحرة المتعبة.
بلاد الممالك والاحتلالات؛ من الاسكندر، الى المغول، وتيمور لنك، والاسلام، والبشتون، وصولًا إلى طالبان.
الأفغان رجال “البأس الشديد” كما وصفهم ابن بطوطة.
قاتلوا على مدى قرون، وعندما رحل الغزاة عن أرضهم، تقاتلوا بابشع الأشكال والصور.
البشتون نصف السكان، والنصف الآخر من؛ طاجيك، و هزازة ،وتركمان، واوزبك، وغيرهم.
يتحدثون بعشر لغات، ولا يتفقون على لغة ولا حتى على شيء.
وكما تفصل جبال هندو كوش وقمة نوشاخ (7492م) ، بين سهول الشمال وصحاري الجنوب، تفصل بين شعوبها تدخلات وصراعات الدول القريبة والبعيدة.
غزا السوفيات افغانستان في عام 1979 لتثبيت الحكم الشيوعي، وسارعت امريكا ومعها باكستان ودول عربية، لاستخدام الايديولوجية الدينية الاسلامية، كأفضل سبيل لمقارعة الشيوعية السوفياتية هناك، تحت شعار “محاربة الكفر”.
خسر السوفيات الحرب وانسحبوا في ربيع 1988، فلم تنتهِ مشكلة افغانستان. بل على العكس، بدأ صراع الدول الداعمة للحركات الأصولية، وتناحرت من كابول إلى قندهار، وعلى كل شبر من تلك الأرض القارية الجافة، والجبلية الوعرة.
وفي عام 2001 ظن الأميركيون أن الفرصة سانحة، لبسط سيادتهم على العالم، بدءاً من تلك البقعة الثرية، التي تربط شرق آسيا بغربها، وشمالها بجنوبها. ومن هناك سينجحون بقطع طريق الحرير، ودفن حلم الصين “طريق واحد حزام واحد”.
لكن بعد عشرين عاماً من الاخفاق والفشل، خرج جيشهم وترك مطار كابول، وكان المشهد يشبه الهروب الكبير من وحوش الزومبي، وسلموا البلاد إلى طالبان، ورجالها الخارجين من كهوف وادي باميان، الممتد بين جبال هندوكوش الشاهقة، والمرتفعات الوسطى في أفغانستان، ويتلوّى على امتداد طويل، بمحاذاة مرتفعات من المنحدرات الصخرية.
وادي باميان الشاهد على مَلكية متسلسلة، تنقسم إلى ثمانية مواقع منفصلة، داخل الوادي وروافده.
وفيه تم نحت محاريب تماثيل بوذا العملاقة (ارتفاع 55 مترًا و38 مترًا) التي دمرها مقاتلو طالبان في عام 2001، كما دمروا العديد من الكهوف، التي كانت تشكل مجموعة كبيرة من الأديرة البوذية والمصليات والمزارات، ويبدو أنها كانت مرتبطة بمعارض تاريخية،حيث توجد بقايا من اللوحات الجدارية، وتماثيل بوذا الجالس على سفح الوادي، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي.
طوال سنوات الغزو السوفياتي وبعده الامريكي، تحصّن رجال طالبان في العديد من الكهوف والمنافذ، وفي روافد وادي بامييان، التي تختزن مجموعات كبيرة من الكهوف، بما في ذلك كهوف وادي كاكراك، على بُعد حوالي 3 كيلومترات جنوب شرق منحدرات باميان، حيث تضم أكثر من مائة كهف، ومنحوتات قديمة، لم يبق منها سوى أجزاء من تمثال لبوذا بارتفاع 10 أمتار، ومعبدًا مزخرفًا من العصر الساساني.
وكذلك على طول وادي فولادي، وعلى بُعد حوالي كيلومترين جنوب غرب منحدرات باميان، تقع كهوف ولالاي غامي، التي تحتوي أيضًا على سمات زخرفية، مسحت طالبان وجهها الجميل المزخرف، والبستها وشاح الدمار والخراب والعبث الهمجي.
آلاف الحكايات والروايات من أرض الافغان، بقيت في ذاكرة مئات آلاف الرجال، الذين ساقهم القدر السيء إلى الحرب في أفغانستان.
وربما هذه الحكاية بلسان عبد الله الطلباني، على مسامع المحققين الأمريكيين، هي من بين الأجمل والأكثر تعبيرًا، عن بلاد الافغان، و “خمسة أطفال سوفيات” ، حسب تعبيره، لكنهم سطروا ملحمة بطولية، وكانوا أشجع وأشد بأساً من فرسان “ترموبيل”.
بعد وقوع انفجار في قندهار، ألقى الأمريكيون القبض على قائد ميداني لطالبان.
أثناء الاستجواب، روى الأفغاني عبد الله، البالغ من العمر 70 عامًا، قصة مثيرة للاهتمام، قال للأمريكيين:
المعارك الحقيقية كانت مع السوفيات.
كانت تلك معارك ضارية مع جنود جديرين.
كل شيء كان حقيقياً ورجولة تامة.
أيها الأمريكيون كان لدينا الكثير من الأشياء المشتركة معكم، لكنكم كنتم جبناء، وبقيتم على حالكم.
لم تخاطروا بحياتكم قط. وبنفس الطريقة الجبانة أخذتموني أسيراً.
أطلق جنودكم 100 قذيفة على القرية، وأبادوا جميع المدنيين على مساحة عدة كيلومترات.
الروس لا يشبهونكم ابداً
لقد قاتل الروس، دون أن يختبئوا مثل الفئران، كما يفعل جنودكم.
وتابع عبدالله يقول:
أذكر في إحدى المرات، أمرنا الشاه مسعود، باحتلال مرتفع مهم ، يمكن من خلاله السيطرة على وادي بانجر.
كان الروس موجودين في المرتفع، ولم نتمكن من المرور من هناك لعدة أشهر.
قمنا بجمع جيش كبير للقيام بالهجوم. استغرق الأمر منا خمسة أيام لكسر المقاومة الروسية. ونجحنا في ذلك بعد أن حاصرناهم ونفذت ذخيرتهم.
لكننا دفعنا ثمنا باهظا لهذا المرتفع.
فمن جانبنا بلغت الخسائر أكثر من 280 جندياً…
شعرنا بالغضب الشديد عندما صعدنا إلى المرتفع، ورأينا أن خمسة أطفال يبلغون من العمر 18 عامًا هم وحدهم من كان يقاتل ضدنا.
أنتم الأمريكيون لا يمكنكم أن تتخيلوا هذا المشهد.
خمسة ضد جيش الشاه مسعود.
عندما وصل جنودنا أمروا الجنود الروس بالصلاة.
لقد علموا أننا سنقتلهم.
وهل تعلم ماذا فعل هؤلاء الأطفال الروس؟
نظروا إلينا بصمت وأمسك الخمسة بأيدي بعضهم البعض وتعانقوا.
لقد كانوا مستعدين للموت مهما كانت الطريقة.
لقد وقفوا متسخين وجائعين ويتعانقون …
لم يتحدثوا ولم يبكوا.
لقد كانوا ينتظرون موتهم فقط.
نحن وقفنا عاجزين عن الكلام…
مثل هذا المنظر يمكن أن يُذهل حتى الجنود الأكثر تمرّساً و تصميماً على القتال، الذين اعتادوا على كل شيء.
وعلى الرغم من أن الروس قتلوا نصف جيشنا، إلا أننا لم نعرف ماذا نفعل.
بالنسبة لنا كانوا هؤلاء محاربين عظماء.
كان لهم الشرف والبطولة والشجاعة.
وحتى أنهم لم يطلبوا انقاذ حياتهم.
أحفادي يدرسون في ألمانيا، لكني أود أن يكبروا مثل أولئك الروس – الرجال الحقيقيين.
ثم أطلقنا سراح اولئك الجنود الروس.
نعم، كان هناك قادة غير راضين عن هذا القرار، وكانوا يريدون قتلهم أو الاحتفاظ بهم كأسرى، لكن الأمر يتم تنفيذه ولا تتم مناقشته.
لقد سمحنا لهم بالرحيل بسلام.
وتعلم ماذا؟
احتضن الروس بعضهم البعض ولم يلتفتوا إلى الوراء، ليروا ما إذا كنا سنطلق عليهم النار في الظهر!
لقد كانوا رجالًا حقيقيين.
ختم عبدالله كلامه ولم يذكر أن أولئك الجنود كانوا سوفيات.
لكن حقاً ما الفرق؟
ألم تكن روسيا هي قلب ذاك الاتحاد السوفياتي!!!
قد لا تعني هذه القصة الكثير لمن لم يَزُر الاتحاد السوفياتي، ولم يتعرف إليه.
لكن هي ليست كذلك بالنسبة لمن درس في معاهد السوفيات وجامعاتهم، وتلمّس عن قرب، طيبة ذاك الشعب، وقدرته على التحمل، والمجالدة في ميادين القتال.
خمس سنوات من ريعان الشباب، قضيتها مع أولئك الرجال الشجعان، متنقلاً بين كليات و أكاديميات عسكرية، ومراكز ابحاث علمي، اختبرت فيها عن قرب، كل معاني الرفاقية والمحبة والشجاعة والوفاء.
الف تحية لكم أصدقائي، وإلى رفاق السلاح، ولأولئك الابطال الخمسة الشجعان، الذين سطروا ملحمة بطولية، لم يعرف بها سوى عدد قليل من الناس.
ظهرت المقالة “خمسة جنود روس واسطورة قندهار” أولاً على تلفزيون برافدا.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :pravdatv.org
بتاريخ:2025-05-05 20:53:00
الكاتب:قسم التحرير
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي