في حضرة النصر: من رماد الحرب إلى منصات الرسائل السياسية

في حضرة النصر: من رماد الحرب إلى منصات الرسائل السياسية
في التاسع من مايو، لا تحتفل روسيا فحسب، بل تصمت العواصم احترامًا لذاكرة انتصار لم يكن سهلًا، على حرب كانت الأكثر دموية في تاريخ البشرية. إنه “يوم النصر”؛ اللحظة التي خمد فيها صدى البنادق، ورفرف فيها علم السلام فوق خرائب أوروبا المنهكة.
هذا اليوم، في وجدان كل روسي، ليس مجرد ذكرى، بل جرح مفتوح تحرسه الكبرياء. هو دمعة امتنان للملايين الذين قضوا في ساحات المعارك، وهو أيضاً ابتسامة نصر لأولئك الذين عاشوا ليبنوا ما تهدم.
يبدأ اليوم في قلب موسكو بجنازير الدبابات تقرع الحجر الأحمر في الساحة الحمراء، موقظة ذاكرة التاريخ. هنا، حيث تُرفع الأعلام، وتُعرض ترسانة القوة الروسية، يحضر قادة الدولة إلى جانب محاربين قدامى يختصرون في ملامحهم قصص البطولة والفقد. يقف الرئيس الروسي، بخطابه السنوي، ممسكًا بخيوط التاريخ والسياسة، مستعرضًا التضحيات، ومؤكدًا أن لروسيا دورًا لا يتقادم في رسم ملامح النظام العالمي.
يوم النصر ليس حفلًا عسكريًا باردًا، بل مسرح كبير للرسائل.
حضور القادة أو غيابهم، عبارات الخطاب، ترتيب المقاتلات في السماء… كلها إشارات تُفكك بعناية في العواصم الأخرى.
في هذا العام، يكتسب الحدث أبعادًا إضافية، وسط توترات إقليمية ودولية، وعودة لمناخ الحرب الباردة بأساليب جديدة.
تاريخيًا، انتهت الحرب العالمية الثانية رسميًا في أوروبا في 8 مايو 1945، لكن فرق التوقيت جعل التوقيع النهائي للاستسلام الألماني يدخل في السجلات السوفييتية بتاريخ 9 مايو.
هذا الفارق البسيط في الزمن خلق تمايزًا في الذاكرة، ورسّخ خصوصية روسية لهذا النصر.
كان الاتحاد السوفييتي قد دفع ثمنًا يفوق 26 مليون شهيد ليكسر النازية في عقر دارها.
لم تكن الحرب فقط حربًا دفاعية، بل أيضًا ملحمة لإنقاذ العالم من ظلام أيديولوجي قاتل.
ولهذا، يُدرّس “النصر الكبير” في المدارس، وتُروى قصصه في السينما والأدب، وتُطبع صوره في الذاكرة الجماعية كما تُطبع على النقود والطوابع.
واليوم رسالة روسيا واضحة: “كما انتصرنا حينذاك رغم الثمن، سننتصر اليوم، رغم العزلة والعقوبات”. لكن خلف هذا الخطاب، تبقى المشاعر حقيقية: اعتزاز لا يُكسر بتاريخ دموي، وخوف دفين من تكراره.
بالنسبة للعالم، هذا اليوم هو تذكير صاخب بأن السلام ليس دائمًا الخيار الأقرب، وأن الشعوب التي عرفت الحروب لا تنساها بسهولة. ويظل السؤال مفتوحًا: هل سيكون التاسع من مايو يومًا لإحياء الذاكرة فقط؟ أم منصة لإعادة تشكيل الحاضر؟
ظهرت المقالة في حضرة النصر: من رماد الحرب إلى منصات الرسائل السياسية أولاً على تلفزيون برافدا.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :pravdatv.org
بتاريخ:2025-05-08 11:19:00
الكاتب:قسم التحرير
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي